تعقيدات تواجه حل أزمة حلب سياسيًا

مواقف لافروف وجاويش أوغلو توحي باصطدام اجتماعات أنقرة بحائط مسدود

الرئيس اللبناني ميشال عون يصافح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو (دالاتي ونهرا)
الرئيس اللبناني ميشال عون يصافح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو (دالاتي ونهرا)
TT

تعقيدات تواجه حل أزمة حلب سياسيًا

الرئيس اللبناني ميشال عون يصافح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو (دالاتي ونهرا)
الرئيس اللبناني ميشال عون يصافح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو (دالاتي ونهرا)

لا يبدو أن الاجتماعات التي تُعقد في العاصمة التركية أنقرة بين مسؤولين روس وقيادات عسكرية في المعارضة السورية نجحت حتى الساعة في تحقيق أي خرق يذكر على صعيد التوصل إلى إنجاز اتفاق سياسي يضع حدا للمعارك المحتدمة في مدينة حلب عاصمة شمال سوريا. ولم تعكس التصريحات الصادرة عن وزيري خارجية روسيا وتركيا، أمس، التوصل إلى أي تفاهم بشأن إخراج مقاتلي «فتح الشام» من المدينة مقابل وقف إطلاق النار، وهو ما أشارت إليه مصادر مطلعة على المفاوضات الحاصلة في أنقرة، لافتة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى «تعقيدات كبرى تحيط بالملف في ظل انعدام الثقة بالنظام وداعميه، وقناعة الفصائل بأن الهدف الفعلي للروس هو توسيع رقعة سيطرة ميليشيات النظام جغرافيا لا أكثر».
المصادر أكدت، أنه «لم يتم إحراز أي تقدم في النقاشات المستمرة بين طرفي المعارضة وموسكو بإشراف تركي»، مشيرة إلى أنه «يجري الدوران في حلقة مفرغة». وأوضح سمير نشار، عضو الائتلاف السوري المعارض لـ«الشرق الأوسط» أن ما يحصل الآن في أنقرة لا يزال بإطار المقترحات التي تتقدم بها الأطراف، لافتا إلى أن «الفصائل التي تشارك في المباحثات يجب أن تتشاور مع المحاصرين في حلب، الذين يعود لهم اتخاذ القرار النهائي بشأن مصيرهم، كما موسكو مضطرة إلى التشاور مع الإيرانيين باعتبار أنهم والميليشيات الشيعية من يقودون فعليا الهجوم البري على المدينة». وأوضح نشار «الفريقان اللذان يتفاوضان يخشيان إعلان أي اتفاق وألا يتم الالتزام به». وأضاف: «الوضع صعب ومعقد جدا، ولا وجود لاتفاق حقيقي قابل للتنفيذ».
واعتبر نشار أن إعلان الفصائل تشكيل «جيش حلب» الموحد في الساعات الماضية «ليس مواكبة للتطورات الميدانية فقط إنما ردا على المقترحات السياسية التي يتم تداولها»، منبها من «سعي روسي لتفكيك جبهة مقاتلي المعارضة في حلب من خلال الحث على إخراج عناصر فتح الشام والذين لا يتخطى عددهم الـ400». وتساءل «أصلا ما الضمانات بأن يلتزم الإيرانيون والميليشيات الشيعية بباقي بنود الاتفاق في حال قبل عناصر (فتح الشام) بالخروج من المدينة؟».
ويوم أمس اتهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في مؤتمر صحافي مع نظيره الإيطالي باولو جينتيلوني، في روما، كل فصائل المعارضة المسلحة في حلب بـ«الخضوع لأوامر تنظيم جبهة فتح الشام» (النصرة سابقا)، مرجحا أن يكون الإعلان عن تشكيل «جيش حلب» الجديد: «ليس إلا محاولة لتقديم جبهة (فتح الشام) تحت اسم جديد وإخراجه من تحت العقوبات الدولية المفروضة عليه». واعتبر أن «المفاوضات السورية تقوض منذ أكثر من نصف عام من قبل تلك الأطراف التي تضع شروطا وتطالب بإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد»، مدعيًا أنه «لم يعد هناك خطر تعرض القوافل الإنسانية للهجمات»، لافتا إلى أنه «يجب فقط الاتفاق مع السلطات السورية».
في المقابل، دعا وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إلى وقف فوري لإطلاق النار في سوريا ووصف الوضع في حلب بـ«الخطير» وقال: إن رئيس النظام السوري بشار الأسد «لا يصلح للحكم». وردا على سؤال عن الأسد في مؤتمر صحافي ببيروت ذكر جاويش أوغلو أنه «ما من شك أن الرئيس السوري مسؤول عن مقتل 600 ألف شخص، وأن من له سجل مثل هذا لا ينبغي أن يحكم دولة». وأوضح أن بلاده تتحدث إلى إيران وروسيا حليفتي الأسد، إضافة إلى النظام السوري ولبنان عن محاولة التوصل إلى حل في سوريا.
في هذه الأثناء، نقلت وكالة «آكي» الإيطالية عن مصدر دبلوماسي أوروبي قوله إن «روسيا لا تريد سقوط مدينة حلب في الوقت الراهن، وهي ستعمل على كبح جماح قوات النظام السوري والميليشيات السورية وغير السورية الرديفة لها، لكنها ستستمر في محاربة التنظيمات التي تصفها بالإرهابية في القسم الشرقي من المدينة». وأشار المصدر إلى أن «عدم رغبة روسيا سقوط القسم الشرقي من مدينة حلب في الوقت الراهن لا يعني أنها ستوقف عملياتها العسكرية هناك، أو أنها ستفك الحصار عن المدينة المُحاصرة؛ فالأمر ليس هدنة ولا مصالحة، بل هو قرار بتخفيف زخم الدعم الجوي الروسي لقوات النظام السوري والميليشيات المؤيد له والمرابطة حول حلب». بدورها، نقلت وكالة «رويترز» عن مسؤول كبير بالمعارضة السورية فضّل عدم الكشف عن هويته، اتهامه روسيا بـ«المماطلة وعدم الجدية» في أول محادثات تجريها مع جماعات معارضة من مدينة حلب السورية في مؤشر على أن الاجتماعات المنعقدة في تركيا لن تحقق أي تقدم. ونبّه إلى أنه وفي حال لم تدخل الدول العربية والولايات المتحدة على الخط: «فنحن أمام مأساة حقيقية إذا الأمور استمرت على الوتيرة نفسها».
وبالتزامن، صعّدت بريطانيا أمس من مواقفها بوجه الأسد، وكرر وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون القول إن «بشار الأسد مسؤول عن مقتل معظم ضحايا المجازر المرتكبة في سوريا خلال السنوات الخمس الماضية»، وأضاف: «نعتقد أن الملايين في سوريا لن يقبلوا أن يحكموا من قبل الأسد مرة أخرى». وشدّد جونسون في كلمة له، الجمعة، في مركز أبحاث «تشاتام هاوس» (المعهد الملكي للشؤون الدولية)، حول الدور المتوقع لبشار الأسد (رئيس النظام السوري) في مستقبل سوريا، على وجوب إيجاد «طريقة جديدة للمضي قدمًا نحو الأمام»، لافتا إلى أنه «يجب طي صفحة الأسد».
وأكد جونسون، أن لندن «ستواصل انتهاج مواقف متشددة تجاه روسيا، ولن تتجاهل الدور الروسي بالمجزرة الجارية في مدينة حلب». وأضاف: «لا يمكننا تطبيع العلاقات مع روسيا، قلت مرات عدة، بإمكان روسيا أن تحظى باحترام العالم من خلال وضع حد لحملة القصف في سوريا، وإقناع الأسد بالجلوس إلى طاولة المفاوضات، والالتزام باتفاقية مينسك المتعلقة بأوكرانيا. وسأستمر أنا ورئيسة الوزراء تيريزا ماي، في إرسال الرسائل في هذا الصدد».



مصر: «الحوار الوطني» لتوسيع مناقشات إعادة هيكلة الدعم

جانب من اجتماع مجلس أمناء الحوار الوطني المصري (الحوار الوطني)
جانب من اجتماع مجلس أمناء الحوار الوطني المصري (الحوار الوطني)
TT

مصر: «الحوار الوطني» لتوسيع مناقشات إعادة هيكلة الدعم

جانب من اجتماع مجلس أمناء الحوار الوطني المصري (الحوار الوطني)
جانب من اجتماع مجلس أمناء الحوار الوطني المصري (الحوار الوطني)

في حين تواصلت النقاشات في مصر على مدار الأشهر الماضية حول إعادة هيكلة منظومة الدعم الحكومي المُقدّم إلى المواطنين، في ظل توجه حكومي بالتحول من نظام دعم «عيني» إلى نظام «نقدي» بداعي «ضمان وصول الدعم إلى مستحقيه»؛ يعتزم «الحوار الوطني» المصري توسيع دائرة تلك المناقشات، مناشداً الحكومة المصرية «التمهل» في اتخاذ أي إجراءات تتعلق بمسألة الدعم.

وتُطبِّق الحكومة المصرية، منذ عقود طويلة، منظومة تموينية لتوزيع السلع الأساسية بأسعار مدعومة، بينها: الخبز، والزيت، والسكر، تُصرف شهرياً من خلال «بطاقات التموين». لكن الحكومات المتعاقبة تشكو من الأعباء الاقتصادية لتلك المنظومة على الموازنة العامة، في ظل استفادة نحو 63 مليون مواطن منها، حسب بيانات مجلس الوزراء.

وأعلنت الحكومة المصرية، قبل نحو شهرين، اعتزامها إجراء تعديلات جذرية على نظام الدعم المُقدّم إلى مواطنيها، يتضمّن التحول من نظام «الدعم العيني» إلى «النقدي» أو «الدعم النقدي المشروط».

الخبز من أهم سلع المنظومة التموينية المدعمة في مصر (محافظة المنيا)

وأعلن مجلس أمناء الحوار الوطني مستجدات مناقشاته لمسألة الدعم، قائلاً في بيان إنه عقد اجتماعاً، السبت، استعرض خلاله موقف مناقشة جلسات الحوار الوطني لقضية الدعم، بعد استكمال تلقي الأمانة الفنية مقترحات القوى السياسية والأهلية والخبراء والمواطنين حولها.

وكانت الأمانة الفنية للحوار الوطني قد انتهت من استقبال المقترحات والتصورات المكتوبة حول مسألة الدعم، من جميع الكيانات والجهات والخبراء المتخصصين والقوى السياسية، حتى يوم 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وأكد البيان أن «جلسات الحوار الوطني حول تفاصيل هذه القضية المحورية لغالبية الشعب المصري في طور الإعدادات النهائية، لتبدأ فور اكتمالها جلسات الحوار حولها، العامة والعلنية، والمتخصصة والفنية، بمشاركة مختلف القوى السياسية والأهلية والنقابيّة والشبابية».

وأهاب مجلس الأمناء بالحكومة في ظل أهمية هذه القضية، والحرص المعلن والمتكرر لرئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي على استفادة الحكومة بما سينتهي إليه الحوار الوطني بشأنها، «التمهل في اتخاذ أي إجراءات بخصوصها، حتى ينتهي الحوار من مناقشتها وصياغة التوصيات النهائية لها، في موعد سيعلن عنه لاحقاً وقريباً».

ووفق تصريحات سابقة لرئيس الوزراء، فإنه قد يبدأ التحول من دعم السلع الأوّلية الأساسية، إلى تقديم مساعدات نقدية مباشرة للفئات الأولى بالرعاية مع العام المالي الجديد، بداية من يوليو (تموز) 2025، شرط حدوث «توافق في الآراء بشأن قضية الدعم النقدي في جلسات الحوار الوطني».

وفي أغسطس (آب) الماضي، قال وزير التموين المصري، شريف فاروق، إن الحكومة المصرية «تنتظر ردود الفعل من الحوار الوطني بشأن التحول لمنظومة الدعم النقدي»، وأضاف أن «هناك أفكاراً مطروحة على الحكومة والمشاركين في الحوار، منها التحول لدعم نقدي كامل أو نقدي مشروط، لكن لم يتم اتخاذ قرار بشأنها حالياً».

عضو مجلس أمناء الحوار الوطني المصري جمال الكشكي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «الأمانة الفنية للحوار تلقت العديد من الاقتراحات من خبراء ومتخصصين ومواطنين وجهات متخصصة فيما يتعلق بمسألة الدعم، وسوف نناقشها خلال الأيام المقبلة؛ حيث سنقوم بتنظيم بعض الجلسات النقاشية التي يشارك فيها متخصصون وخبراء ومطلعون على هذا الملف، للخروج بتوصيات، وسواء كانت توصيات مؤيدة أو رافضة للتحول في شكل الدعم، فسوف يتم رفعها إلى رئيس الجمهورية».

كان الحوار الوطني قد تعهد بمناقشة قضية الدعم بـ«تجرد وحياد كاملين»، دون الميل إلى تطبيق أحد النظامين «العيني أو النقدي»، وأن يكون دوره «توفير بيئة حوارية تتسع لمشاركة كل الآراء والمقترحات»، على أن يجري الوصول إلى توصيات تعبّر عن جميع مدارس الفكر والعمل في مصر، يتم رفعها لرئيس الجمهورية.

ويشير عضو مجلس أمناء الحوار الوطني إلى أن «مناشدة الحكومة التمهل لا تحمل أي تأويل أو اتجاه بشأن مسألة الدعم، فالتمهل هنا مناشدة لكي نأخذ وقتنا في النقاش المعمق حول هذا الملف، وبهدف إعطاء الحوار الوطني فرصته ووقته للتوصل إلى نتائج تصب في مصلحة المواطن»، لافتاً إلى أن الجلسات يُنتظر أن تبدأ مع مطلع العام الجديد، وقد تتواصل على مدار شهر أو شهر ونصف الشهر.

ويؤكد الكشكي أن هناك تنسيقاً مع الحكومة في تلك النقطة، وذلك لكون المستشار محمود فوزي، وزير الشؤون النيابية والقانونية والتواصل السياسي، هو رئيس الأمانة الفنية للحوار الوطني، وبالتالي هو همزة الوصل بين الحكومة وإدارة الحوار الوطني، بما يؤكد التنسيق بينهما.

ورحبت قوى سياسية بما أعلنه الحوار الوطني بشأن مسألة الدعم، كونها تمثل حجر الزاوية في تحسين حياة المصريين. ودعا رئيس حزب الجيل، ناجي الشهابي، الحكومة إلى التريث في اتخاذ أي قرارات تتعلق بالدعم حتى انتهاء جلسات الحوار الوطني وصدور توصياتها النهائية.

وقال الشهابي، لـ«الشرق الأوسط»، إن «حزبه على استعداد للمشاركة الفعالة في جلسات الحوار الوطني المرتقبة، إلى جانب الخبراء والمتخصصين، بهدف بلورة توصيات وصياغة رؤى لتحقيق أهداف الحوار الوطني، شرط أن تجري تلك الجلسات بشفافية وحرية ومن دون خطوط حمراء، ودعوة كل مكونات المجتمع المصري للمشاركة في هذه المناقشات».

هنا، يؤكد الكشكي أن مجلس أمناء الحوار يسعى لتوسيع المناقشات وضمان مشاركة فعالة من مختلف الأطراف في الجلسات العامة والعلنية والمتخصصة، فالجلسات النقاشية الأولى للحوار شهدت مشاركة جميع الأطياف السياسية، ومجلس الأمناء حريص على ذلك، ولأننا أمام قضية متخصصة، فبالتالي ستكون هناك مشاركة من المتخصصين من كل الألوان السياسية للتعبير عن كل الاتجاهات الاقتصادية.